فصل: صوائف الشام.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.ولاية زياد البصرة.

كان زياد بعد صلح معاوية واستلحاقه نزل الكوفة وكان يتشوف الامارة عليها فاستثقل المغيرة ذلك منه فاستعفى معاوية من ولاية الكوفة فلم يعفه فيقال إنه خرج زياد إلى الشام ثم إن معاوية عزل الحرث بن عبد الله الأزدي عن البصرة وولى عليها زيادا سنة خمس وأربعين وجمع له خراسان وسجستان ثم جمع له السند والبحرين وعمان وقدم البصرة فخطب خطبته البتراء وهي معروفة وإنما سميت البتراء لأنه لم يفتحها بالحمد والثناء فحذرهم في خطبته ما كانوا عليه من الإنهماك في الشهوات والاسترسال في الفسق والضلال وانطلاق أيدي السفهاء على الجنايات وانتهاك الحرم وهم يدنون منهم فأطال في ذلك عنفهم ووبخهم وعرفهم ما يجب عليهم في الطاعة من المناصحة والانقياد للائمة وقال: لكم عندي ثلاث لا أحتجب عن طالب حاجة ولو طرقني ليلا ولا أحبس العطاء عن اباية ولا أحمر البعوث فلما فرغ من خطبته قال له عبد الله بن الأيهم: أشهد أنك أوتيت الحكمة وفصل الخطاب قال: كذبت ذاك نبي الله داود ثم استعمل على شرطته عبد الله بن حصين وأمره أن يمنع الناس من الولوج بالليل وكان قد قال في خطبته لا أوتي بمدلج إلا سفكت دمه وكان يأمر بقراءة سورة البقرة بعد صلاة العشاء مؤخرة ثم يمهل بقدر مايبلغ الرجل أقصى البصرة ثم يخرج صاحب الشرطة فلا يجد أحدا إلا قتله وكان أول من شدد أمر السلطان وشيد الملك فجرد السيف وأخذ بالظنة وعاقب على الشبهة وخافه السفهاء والذعار وأمن الناس على أنفسهم ومتاعهم حتى كان الشيء يسقط من يد الإنسان فلا يتعرض له أحد حتى يأتي صاحبه فيأخذه ولا يغلق أحد بابا وأدر العطاء واستكثر من الشرط فبلغوا أربعة آلاف وسئل في إصلاح السابلة فقال: حتى أصلح المصر فلما ضبطه أصلح ما وراءه وكان يستعين بعدة من الصحابة منهم عمران بن حصين ولاه قضاء البصرة فاستعفى فولى مكانه عبد الله بن فضالة الليثي ثم أخاه عاصما ثم زرارة بن أوفى وكانت أخته عند زياد وكان يستعين بأنس بن مالك وعبد الرحمن بن سمرة وسمرة بن جندب ويقال: إن زيادا أول من سير بين يديه بالحراب والعمد واتخذ الحرس رابطة فكان خمسمائة منهم لا يفارقون المسجد ثم قسم ولاية خراسان على أربعة: فولى على مرو أمين ابن أحمد اليشكري وعلى نيسابور خليد بن عبد الله الحنفي وعلى مرو الروذ والعاريات والطالقات قيس بن الهيثم وعلى هراة وبادغيس وبوشنج نافع بن خالد الطائي ثم إن نافعا بعث إليه بجواد باهر في غنمه في بعض وجوهه وكانت قوائمه منه فأخذ منها قائمة وجعل مكانها أخرى ذهبا وبعث بجواده مع غلامه زيد وكان يتولى أموره فسعى فيه عند زياد بأمر تلك القائمة فعزله وحبسه وأغرمه مائة ألف كتب عليه بها كتابا وقيل ثمانمائة ألف وشفع فيه رجال من الأزد فأطلقه واستعمل مكانه الحكم بن عمرو الغفاري وجعل معه رجالا على الجباية منهم أسلم بن زرعة الكلابي وغزا الحكم طخارستان فغنم غنائم كثيرة ثم سار سنة سبع وأربعين إلى جبال الغور وكانوا قد ارتدوا ففتح وغنم وسبى وعبر النهر في ولايته إلى ما وراءه فملأه غارة ولما رجع من غزاة الغور مات بمرو واستخلف على عمله أنس بن أبي أناس بن ربين فلم يرضه زياد وكتب إلى خليد بن عبد الله الحنفي بولاية خراسان ثم بعث الربيع بن زياد المحاربي في خمسين ألفا من البصرة والكوفة.

.صوائف الشام.

ودخل المسلمون سنة اثنتين وأربعين إلى بلاد الروم فهزموهم وقتلوا جماعة من البطارقة وأثخنوا فيها ثم دخل بسر بن أرطأة أرضهم سنة ثلاث وأربعين ومشى بها وبلغ القسطنطينية ثم دخل عبد الرحمن بن خالد وكان على حمص فشتى بهم وغزاهم بسر تلك السنة في البحر ثم دخل عبد الرحمن إليها سنة ست وأربعين فشتى بها وشتى أبو عبد الرحمن السبيعي على انطاكية ثم دخلوا سنة ثمان وأربعين فشتى عبد الرحمن بأنطاكية أيضا ودخل عبد الله بن قيس الفزاري في تلك السنة بالصائفة وغزاهم مالك بن هبيرة اليشكري في البحر وعقبة بن عامر الجهني في البحر أيضا بأهل مصر وأهل المدينة ثم دخل مالك بن هبيرة سنة تسع وأربعين فشتى بأرض الروم ودخل عبد الله بن كرز الجيلي بالصائفة وشتى يزيد بن ثمرة الرهاوي في بلاد الروم بأهل الشام في البحر وعقبة بن نافع بأهل مصر كذلك ثم بعث معاوية سنة خمسين جيشا كثيفا إلى بلاد الروم مع سفيان بن عوف ندب يزيد ابنه معهم فتثاقل فتركه ثم بلغ الناس أن الغزاة أصابهم جوع ومرض وبلغ معاوية أن يزيد أنشد في ذلك:
ما إن أبالي بما لاقت جموعهم ** بالفدفد البيد من حمى ومن شوم

إذا اتطأت على الأنماط مرتفقا ** بدير مران عندي أم كلثوم

وهي امرأت بنت عبد الله بن عامر فحلف ليلحقن بهم فسار في جمع كثير جمعهم إليه معاوية فيهم ابن عباس وابن عامر وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري فأوغلوا في بلاد الروم وبلغوا القسطنطينية وقاتلوا الروم عليها فاستشهد أبو أيوب الأنصاري ودفن قريبا من سورها ورجع يزيد والعساكر إلى الشام ثم شتى فضاله بن عبيد بأرض الروم سنة إحدى وخمسين وغزا بسر بن أرطأة بالصائفة.